السبت 2024/5/4 توقيـت بغداد
07901195815-07707011113    albaynanew@yahoo.com
جريدة يومية سياسية عامة مستقلة
لا ترتبط بحزب أو حركة أو جهة دينية أو سياسية
صاحب الإمتياز
ورئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
استكشاف العراق من جديد .. ( مدينة جصان) .. تلّة جصان الاثرية تعاني من الهدم والاهمال وتنتظر من يجعلها مركزا سياحيا
استكشاف العراق من جديد .. ( مدينة جصان) .. تلّة جصان الاثرية تعاني من الهدم والاهمال وتنتظر من يجعلها مركزا سياحيا
تحقيقات
أضيف بواسـطة albayyna
الكاتب
النـص :

جصان – حمدي العطار

يمكن ان تتوقع لبعض الاماكن الاثرية في العراق «نتيجة الاهمال وعدم الصيانة» انها قد تنقرض وتكون في طي النسيان، مدينة (جصان) أنموذجا!
 وجصان ناحية في قضاء بدرة تبعد عن الكوت 70كم شرقا ، وتتميز هذه المدينة كونها مشيدة على تل ، وأسست عام 1921.
*التاريخ والطبيعة
معرفة تاريخ المكان تلقي الاضواء عليه، تسمية جصان كان يطلق عليها (جاسان) وهي من المدن السومرية الموغلة في التاريخ ويعود تاريخها لأكثر من 3500 عاما قبل الميلاد. وجاسان هي احدى مدن (بادرايا) القديمة (حاليا بدره) وبادرايا كان اسمها (الدير) وكانت مشهورة بالمعابد ، اما اصل تسمية (جصان) فقد جاء في كتاب الرحالة الفرنسي (جين ديلاقوا) 1882 فإن كلمة جصان يشير الى نوع من الأسماك العملاقة كانت تعج بها انهار العراق في الأزمنة الماضية، وهي من الاسماك  التي يصل وزنها الى أكثر من 50 كغم، وقد اكد هذه المعلومة الكاتب الاثاري «طه باقر» في كتابه مقدمة تاريخ الرافدين وفي بحوث عالم الاثار (فؤاد سفر) ويبدو لي ان هذا الصنف من الاسماك (الجصان) نسبة الى هور مدينة جصان وهو مستنقع عظيم يحيط بتل جصان اذ كانت مدينة جصان القديمة عبارة عن هذا التل فقط! ومياه هذا الهور تأتي من نهر كلال النازلة من جبال ايران، ويذكر أن آخر سمكة (جصان) تم صيدها في نهر دجلة عام 1998.   أن كلمة جصان تعني قد ( بلد الشعير) إذ كانت تمتاز  جصان بزراعة الشعير، وكان يوجد فيها نهر بهذا الاسم.
كما ترجع جصان الى عصر الإمبراطورية الساسانية والعيلامية،وتل جصان كان له سور وثلاثة ابواب هي ( الباب الكبير والباب الصغير وباب العبادي)..
جصان   بطبيعتها جميلة وموقعها مميز ، وما تحويه من المواقع الاثرية التي تعود الى عصور مختلفة جعلها غنية (بالتاريخ والطبيعة).
*كأنها بيت واحد
وصلنا الى جصان يوم الجمعة ، استقبلنا بفرح الناشط السياحي والمدني (سلام غالي الجصاني) واخذ يقص لنا حكايات جصان التاريخية القديمة وهو في منتهى السعادة وحينما يحكي عن وضعها الحالي يكون غاضبا لما تعانيه جصان القديمة (التل الاثري) من الاهمال! تل جصان الاثري عبارة عن عمارة الطين البسيطة التي تحمل بين طياتها قيما ومفاهيم وروح افتقدناها في ظل البناء الحديث، يقع تل جصان على مرتفع يبلغ 95 مترا، حينما تصعد الى اعلى التل تشرف على كل المدينة والبساتين التي تحدها، مدينة جصان على هذا التل المرتفع هيأ لها موقعا جغرافيا متميزا وهذا المرتفع حدد مساحتها وبالتالي امتدادها، كذلك يساعد الارتفاع على مراقبة القادمين اليها من مسافات بعيدة، ووفر لها ميزة التحصن والاستعداد للدفاع عن المدينة من الاعداء  شرح لنا  «سلام غالي الجصاني» اهمية وفوائد هذا النوع من البناء الطيني  اذ يخلط بالرمل بعد تخليصه من الحصى مع اضافة التبن لكي تصير مادة متماسكة ثم تترك مدة من الزمن ليكون صالح للبناء.
شدنا التل منذ ان دخلنا اول دروبه فقد واجهنا نمطا مختلفا من الممرات مما دفعنا أن نسأل سلام الجصاني على سكنة هذا التل فقال من عشائر متعددة ولكنها يلقبون بـ( الجصاني) .
وكان التل نظيفا وفيه طرق لتصريف المياه الثقيلة ولكن بعد ترك أكثر الأهالي التل والعمل صار بهذه الصورة التي لا تسر، الان لا يسكن التل إلا (30)عائلة .
*غرابة التل وجماله
اتساع كل عكد بين متر الى متر ونصف، وتوجد عكود أوسع بقليل وتتقاطع الدروب مع بعضها البعض ، مصاطب الجلوس من الطين ، وتشير الابحاث أن البناء بالطين يناسب طبيعة الطقس الحار أذ لا يسمح الطين لحرارة الجو بالنفاذ لداخل البيت الا بعد فترة طويلة وحينما يأتي الليل يميل الطقس الى البرودة فيتولى الطين المتشبع بالحرارة بتدفئة البيت. 
* سوق ومقهى
  السوق الذي كان عامرا بمحال لجميع ما يحتاجه الناس في التل وصار سلام يؤشر على كل محل والمهنة التي يمارسها أو البضاعة التي يبيعها فهذا محل الذهب وذاك حلاق واخر يبيع الملابس وغيرها وكلها محال مهدمة ومهجورة ولم يبق الا المقهى التراثي في التل.
تم زيارته وتم اسقبالنا بكل سرور وقدموا لنا الشاي والقهوة والحامض ورفضوا اخذ المال قالوا انتم ضيوف جصان وكانت المقهى المبنية من الطين وبعض اماكن الجلوس من الطين وتنتشر الكؤوس لأن جصان مدينة تحب كرة القدم وفي المقهى هناك علمان ريالي وبرشلوني، تمتعنا كثيرا بهذا المقهى ثم توجهنا لزيارة مرقد السيدة عمدة (ع) بنت الحسن بن الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) 
*بيت تراثي قديم
طلب منا سلام الجصاني زيارة بيت قديم واسع يعد من البيوت التي تحافظ على تماسكها ،وبعد مرورنا بشبكة الطرق بما تتميز من ضيق نجد انفسنا داخل بيت واسع يعطي من يزوره شعورا بالرضا ! كثرة الابواب في البيوت تدل على ضرورة وجود الحد الفاصل بين العوائل التي تسكن في بيت واحد للمحافظة على خصوصية الاسر فيما بينهم، وعلى الرغم من تشابه الدور في واجهاتها وارتفاعاتها بشكل واضح غير ان اختلاف مداخل الدور جعل القادم اليه بسهولة الاستدلال ! 
وزرنا جامع جصان الكبير  والبئر الموجود فيه   وحسينية جصان التي تحتوي على توثيق غريب اذ تحتفظ الحسينية بصندوق يكتب في جزء  منه اسم المتوفي وتاريخ وفاته ويحتفظون به في هذا الصندوق.وهناك سجاد قديم ولافتة تشير الى لواء الكوت وتعلن عن اسم (موكب عزاء ناحية جصان)
*نهاية رحلتنا
ذكر لنا أن التل استخدم في تصوير أحد الأفلام السينمائية لتشابه البيئة والمكان مع ذلك العصر الذي يتحدث فيه الفيلم عن الامام القاسم بن الامام الكاظم (ع) والفيلم ( غربة الامام القاسم)    بإشراف العتبة العباسية و فر التل وبيوته الطينية مكانا مناسبا للتصوير.
ونحن ننزل من التلة شعرنا ان التل كأنه بيت واحد.
واخيرا تم زيارة مرقد الامام الحسن الشاب بن الامام موسى بن جعفر (عليهم السلام)، والتجول في الحديقة الخلفية للمرقد التي تبرع بعض المزارعين بزراعتها، قدم فريق لاماسو هدية تذكارية الى سلام غالي الجصاني وودعنا وهو يصور لنا فيديو لبثه في موقعه الرائع الذي يعمل على المحافظة واحياء تراث مدينة جصان.
عند مغادرتنا لمدينة جصان تأملت مدينة جصان (التل) وتذكرت مدينة (يزد) الايرانية وقد زرتها قبل سنوات وهي تتشابه مع جصان كونها مدينة طينية ويقطن فيها الزرادشتيون واهتمت ايران بهذه المدينة التي تقع وسط الصحراء وجعلتها مدينة سياحية وقبلة للزوار الاجانب من اوربا ، وكم تمنيت لو ان هيئة السياحة ودائرة الآثار تقوم بتعويض الساكنين بمبالغ معقولة لإخلاء التل كما فعلت اربيل مع سكنة قلعة أربيل  على الأخص فإن البيوت تشكل خطورة ففي أية لحظة يمكن ان تسقط على الناس  وتهتم بهذا التل الاثري وتعيد صيانته ليكون مركزا سياحيا مهما ويساهم في تطوير مدينة جصان ويوفر موردا ماليا يدعم اقتصادها.

المشـاهدات 3158   تاريخ الإضافـة 15/01/2024   رقم المحتوى 44014
أضف تقييـم